روى المقريزى قال
لما عزم المعز على المسير إلى مصر أجال فكره فيمن يخلفه بالمغرب، فوقع اختياره على أبي أحمد جعفر بن عبد الأمير، فاستدعاه، وأسر إليه أنه يريد استخلافه بالمغرب، فقال: تترك معي أحد أولادك أو أخوتك جالسا في القصر وأنا أدبر، ولا تسألني عن شيء من الأموال إن كان ما أجبيه بازاء ما أنفقه؛ وإذا أردت أمراً فعلته ولم أنتظر ورود الأمر فيه، لبعد ما بين مصر والمغرب، ويكون تقليد القضاء والخراج وغيره من قبل نفسي.
فغضب المعز وقال: يا جعفر: عزلتني عن ملكي، وأردت أن تجعل لي شريكا في أمري، واستبددت بالأموال والأعمال دوني، قم فقد أخطأت حظك، وما أصبت رشدك. فخرج.
واستدعى المعز يوسف بن زيرى الصنهاجي، وقال له: تأهب لخلافة المغرب فأكبر ذلك وقال: يا مولانا: أنت وآباؤك الأئمة من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صفا لكم المغرب، فكيف يصفوا لي وأنا صنهاجي بربري ؟ قتلتني يا مولاي بلا سيف ولا رمح.
ولم يزل به حتى أجاب وقال: يا مولانا: بشريطة أن تولي القضاء والخراج لمن تراه وتختاره، والخبر لمن تثق به، وتجعلني أنا قائما بين أيديهم، فمن استعصى عليهم أمروني به حتى أعمل فيه ما يجب، ويكون الأمر لهم وأنا خادم بين ذلك.
فحسن هذا من المعز وشكره، فلما انصرف قال له عم أبيه أبو طالب أحمد بن المهدي عبيد الله: يا مولانا: وتثق بهذا القول من يوسف أنه يفي بما ذكره ؟ فقال المعز: يا عمنا: كم بين قول يوسف وقول جعفر ؟ واعلم يا عم أن الأمر الذي طلبه جعفر ابتداءً هو آخر ما يصير إليه أمر يوسف، فإذا تطاولت المدة سينفرد بالأمر، ولكن هذا أولى وأحسن وأجود عند ذوي العقل، وهو نهاية ما يفعله من يترك دياره.
ووجهت أم الأمراء من المغرب بصبية ربتها لتباع في مصر فطلب الوكيل فيها ألف دينار، فجاءت امرأة شابة على حمار، فلم تزل حتى اشترتها منه بستمائة دينار، وقيل له يا مغربي: هذه بنت الأخشيد اشترت الجارية تتمتع بها، وهي ست كافور.
فلما عاد أخبر المعز بذلك، فأمر بإحضار الشيوخ، وأمر الرجل فحدثهم بخبر الجارية، ثم قال: يا إخواننا: انهضوا إليهم، فلن يحول بينكم وبينهم شيء، وإذا كان قد بلغ بهم الترف إلى أن صارت امرأة من بنات ملوكهم تخرج وتشتري لنفسها جارية تتمتع بها فقد ضعفت نفوس رجالهم، وذهبت الغيرة منهم، فانهضوا بنا إليهم.
فقالوا: السمع والطاعة.
فقال: خذوا في حوائجكم، فنحن نقدم الاختيار لمسيرنا إن شاء الله.
ولما عزم المعز على الرحيل إلى مصر أتاه بلكين بن زيرى بألفي جمل من إبل زناتة، وحمل ما له بالقصور من الذخائر، وسبك الدنانير على شكل الطواحين، جعل على كل جمل قطعتين، في وسط كل قطعة ثقبا تجمع به القطعة إلى الأخرى، فاستعظم ذلك الجند والرعية، وصاروا يقفون في الطرق لرؤية بيت المال المحمول.
وخرج المعز من المغرب يوم الإثنين لثمان بقين من شوال سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وخرج من المنصورية ومعه بلكين واسمه يوسف إلى سردانية من بلاد إفريقية، فسلم إليه إفريقية والمغرب يوم الأربعاء لتسع بقين من ذي الحجة، وأمر سائر الناس له بالسمع والطاعة، وفوض إليه أمور البلاد، ما خلا جزيرة صقلية فإنه ترك أمرها لحسن بن علي بن أبي الحسين ، وطرابلس وأعمالها.
وقال له: إن نسيت، ما وصيناك به فلا تنس ثلاثة أشياء: إياك أن ترفع الجباية عن أهل البادية، ولا ترفع السيف عن البربر، ولا تول أحدا من أخوتك وبني عمك، فإنهم يرون أنهم أحق بهذا الأمر منك؛ وافعل مع أهل الحاضرة خيراً.
وفارقه.
المصدر: اتعاظ الحنفاء للمقريزى
No comments:
Post a Comment